السؤال .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. قبل يومين من انقضاء دورتي أحسست بضيق، وانقباض في الصدر شديدين، استمرا معي إلى الآن بعد طهري، والأشد أني أصبحت أحس بالرياء والعجب، والعياذ بالله، لولا أني أدافعهما، والخوف من لا شيء.
إذا أردت أن أذكر الله امتلأت عيناي بالدمع، لكن لا أبكي كما كان من عادتي إذا ضاق صدري، وانقلب مزاجي ينعكس ذلك على ظاهري، أما الآن فلا، أنا جدا عادية مع أهلي؛ لذلك أود أن أطرح بعض الأسئلة: هل التحدث عن ظلم العباد يعد غيبة ويهتك بالبر، إذا كانوا أشخصا من المقربين؟ وهل إعراضي عن قراءة القرآن في فترة حيضي هو السبب؟ هل العين من النفس أو من الغير تؤدي إلى ذلك؟
وسؤال آخر: ما الأفضل الانشغال بالحفظ لكتاب الله عن الختم أم يجب الجمع بينهما؟ كما أريد أن أنوه أن هذه التقلبات في المزاج والضيق في الصدر، وانسياقي وراءها، قد ضيعت علي خيرا كثيرا، لكني حينها أحس نفسي عاجزة عن مدافعتها، ثم اندم إذا لم أفعل!
نفس الله عنكم كرب يوم القيامة.
الإجابــة.. بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حائرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،، فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم.
أقول لك أختي الكريمة الفاضلة: فيما يتعلق بالحديث عن الظلم، فإن الإسلام أباح للمظلوم أن يتكلم عن من ظلمه وأجاز له أن يدعو عليه؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات مستجابات) وعد منهنّ (دعوة المظلوم) وأيضًا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا ففجوره على نفسه).
إذن يجوز لمن وقع عليه الظلم أن يدعو على من ظلمه، ويجوز له أن يتكلم في الظلم الذي وقع عليه، بنية أن يعينه الناس على أن يتخلص من ظلمه، أي أن يعلم الناس بأن فلانًا ظلمه، فلعل بعضهم أن يتوسط لدى الظالم ويذكره بالله تعالى فيتوقف عن ظلمه وغيّه، هذا قول أهل العلم في هذه المسألة، أما كون هذا يهتك البر إذا كان الشخص الظالم من المقربين؟ هل تقصدين المقربين من الله تبارك وتعالى أم المقربين من الشخص؟
أما إذا كان المقربون من الشخص فإن الإنسان يجوز له أن يتكلم في كل من ظلمه واعتدى عليه، حتى وإن كان أقرب الناس إليه بشرط أن لا يكون مثلاً الوالد أو الوالدة، على اعتبار أنهما أصحاب حق عظيم على الإنسان.
أما إذا كان الوالد أو الوالدة فيكتفي الإنسان بالدعاء لهما بالصلاح والهداية، ولا ينبغي أن يفشي سرهم.
أما فيما يتعلق ذلك بالأرحام الإخوة والأخوات، إذا كان الكلام حول الظلم بالنسبة لهؤلاء، فإذا كان سيؤدي إلى قطيعة الرحم، فالأولى به أن يبحث عن وسائل أخرى، بمعنى أن يوسط الأقارب في هذه المسألة أو أن يشكو الوالد أو الوالدة أو إلى من هو أكبر، لعله أن يساهم في دفع هذا الظلم.
أما إذا كان من الوالدين فإني أقول أيضًا من الممكن التلميح، ومن الممكن التعريض بخطورة هذا الأمر الذي وقع والظلم الذي حدث، وطلب تعديل الوضع، فهذا جائز شرعًا.
لكن النبي عليه الصلاة والسلام أوصى بالبر حتى مع الظلم، لأن الله تبارك وتعالى بيّن أنه يجب على الإنسان أن يطيع والديه، وأن يبرهما حتى وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه.
أما عن إعراضك عن قراءة القرآن في فترة الحيض هل هو السبب في ضيق الصدر؟ أقول هذا من الممكن، لأن الله تبارك وتعالى قال: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} وأعظم الذكر يقينًا إنما هو القرآن الكريم، فلعلك عندما توقفت عن القرآن ترتب على ذلك ضيق الصدر وعدم الراحة النفسية، وهذا وارد جدًّا.
وإن كان من الممكن أن تستعيضي عن ذلك بالأذكار والاستغفار والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام إلى غير ذلك.
هذا أيضًا قد يعوض هذه المسألة، وقد يكون سببًا في دفع هذا الضيق بإذن الله تعالى.
قراءة القرآن هي أجل أنواع الذكر وأفضله وأرفعه وأعظمه أجرًا، ولكن أيضًا هناك الأذكار الأخرى التي تتعلق بالثناء على الله تبارك وتعالى من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام والدعاء، فهذه أمور لا ينبغي أن تتوقف عنها المرأة أو الفتاة خاصة في هذه الفترة.
أما عن سؤالك: هل العين من النفس؟ نعم الإنسان قد يحسد نفسه، وهذا ما قاله الله تبارك وتعالى: {ولولا إذ دخلت جنتك قلتَ ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترنِ أنا أقلّ منك مالاً وولدًا * فعسى ربي أن يؤتين خيرًا من جنتك}.
لذلك كان من السنة أن يبرك الإنسان على نفسه، وأن يبرّك على ما يملك، يعني عندما يرى صحته طيبة وشكله جميلا ومنظره طيبا وهيأته طيبة أن يقول مثلاً وهو ينظر في المرآة: (بسم الله ما شاء الله تبارك الله لا قوة إلا بالله)، هذا يسمى التبريك، وهذا يدفع عين الإنسان عن نفسه.
وقد تكون من الغير، فالإنسان قد يحسد نفسه وقد يحسد غيره، بل قد يحسد أقرب الناس إليه، وهذا ما ورد في سورة يوسف عليه السلام عندما قال يعقوب عليه السلام: {يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدًا}، إذن هذا من الممكن أن يحدث من أقرب الناس إلى الإنسان.
ما هو الأفضل: الاشتغال بحفظ كتاب الله تعالى عن الختمة أم يجب الجمع بينهما؟ الأفضل الجمع بينهما حقيقة، لأن حفظ كتاب الله تعالى له منزلته وله ثوابه وله أجره، خاصة كما ورد في قول النبي عليه الصلاة والسلام: (يُقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارتقي ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ) وقطعًا الذي يُفهم منه أنه يقرأ من حفظه، إذن الجمع ما بين الأمرين حسن، وهو الأفضل بإذن الله تعالى.
التقلبات في المزاج وضيق الصدر وانسياقك وراءها بلا شك كما ذكرت ضيعت عليك حظًّا كبيرًا، وهذا حقيقة أمر واقع، فإن الإنسان إذا استسلم لهذه الأشياء ولم يحاول أن يقاومها بما ينبغي أن تقاوم به من عدم الاستسلام وعدم الاسترسال فيها أيضًا، بل مقاومتها بالذكر والدعاء والاستغفار والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، حتى لا تأخذ منه مساحة كبيرة من وقته، وحتى لا تتكرر فتصبح كأنها كما لو كانت مرضًا دائمًا متصلاً.
أهم شيء أوصي به إنما هو الدعاء والإلحاح على الله تعالى في دفع كل صور البلاء، لأن النبي عليه صلوات ربي وسلامه أخبرنا بقوله: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) وأخبرنا أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء).
نسأل الله لك التوفيق والسداد، والثبات على الدين، وأن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك وأن يقدر لك الخير حيث كان.
هذا وبالله التوفيق.
المصدر: موقع إسلام ويب